فصل: تفسير الآية رقم (216):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (216):

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}
صعبت على النفوس مباشرة القتال، فبيَّن أن راحات النفوس مؤجلة لأنها في حكم التأديب، وبالعكس من هذا راحات القلوب فإنها معجلة إذ هي في وصف التقريب، فالسعادة في مخالفة النفوس؛ فمن وافقها حاد عن المحبة المثلى، كما أن السعادة في موافقة القلوب فمن خالفها زاغ عن السُنَّة العليا.
وبشرى ضمان الحق باليُسْر أَوْلَى ان تُقْبَل من محذرات هواجس النفوس في حلول العسر وحصول الضر.

.تفسير الآية رقم (217):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}
قوله جلّ ذكره: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ}.
من المعاصي ما يكون أشد من غيره وأصعب في المعنى، فسوء الأدب على الباب لا يُوجِب ما يُوجبه على البساط؛ فإذا حصلت الزلة بالنَّفْس فأثرها بالعقوبة المؤجلة وهي الاحتراق، وإذا زلّ القلب فالعقوبة معجلة وهي بالفراق، وأثر الغفلة على القلوب أعظم من ضرر الزلة على النفوس، فإن النفس عن الحظ تبقى، والقلب عن الحق يبقى.
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عِن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أعْمَالُهُمْ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
الإشارة من هذا أن أهل الغفلة إذا راودوك أرادوا صَرْفَكَ إلى ما هم عليه من الغفلة، فلا يرضون إلا بأن تفسخ عقد إرادتك بما تعود إليه من سابق حالتك، ومَنْ فسخ مع الله عهده مَسخَ قلبه.

.تفسير الآية رقم (218):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}
إن الذين صدقوا في قصدهم، وأخلصوا في عهدهم، ولم يرتدوا في الإرادة على أعقابهم، أولئك الذين عاشوا في رَوْحِ الرجاء إلى أن يصلوا إلى كمال البقاء ودار اللقاء.

.تفسير الآيات (219- 220):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}
قوله جلّ ذكره: {يَسْئِلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَفْعِهِمَا}.
الخمر ما خامر العقول، وكما أن الخمر حرام بعينها بالسُكْر حرام بقوله صلى الله عليه وسلم: «حُرِّمت الخمر بعينها، والسُكْر من كل شراب»، فمن سَكِرَ من شراب الغفلة استحق ما يستحق شارب الخمر من حيث الإشارات، فكما أنَّ السكران ممنوع من الصلاة فصاحب السُكْر بالغفلة محجوب عن المواصلات وأوضح شواهد الوجود، فمَنْ لم يُصَدِّقُ فَلْيُجَرِّب.
ومعنى القمار موجود في أكثر معاملات أهل الغفلة إذا سلكوا طريق الحِيَل والخداع والكذب في المقال. وبذلُ الصدقِ والإنصاف عزيزٌ.
قوله جلّ ذكره: {وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}.
قيل العفوُ ما فضل عن حاجتك، وهذا للخواص يخرجون من فاضل أموالهم عن قدر كفاياتهم، فأمَّا خواص الخواص فطريقهم الإيثار وهو أن يُؤثِر به غيرَه على نفسه وبه فاقة إلى ما يخرج وإن كان صاحبه الذي يؤثِر به غيباً.
قوله جلّ ذكره: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}.
إصلاح حالهم بما يكون في تأديبهم أتَمّ من إصلاح مالهم، ثم الصبر على الاحتمال عنهم مع بذل النصح، و(مفارقة المال مَنْ مِنْ إرشادهم خير من الترخص بأن يقول إنه لا يتوجه على فرضيهم).
قوله جلّ ذكره: {وَاللهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
فيُعاملُ كلاً على سواكن قلبه من القُصُود لا على ظواهر كَسْبِه من جميع الفنون.

.تفسير الآية رقم (221):

{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
صلة حبل الدين والتمسك بعصمة المسلمين أتم من الرضا بأن تنتهي إلى أحدٍ يسلك إلى الكفر، ولئن كانت رخصة الشريعة حاصلة في فعله فإشارة الحقيقة مانعة من حيث التبرئة عن اختياره، هذا في الكتابيات اللاتي يجوز مواصلتهن، فأما أهل الشِرْك فحرامٌ مواصلتهم قطعاً، وأوجهُ مباينتهم في هذا الباب حُكْمٌ جَزْمٌ.

.تفسير الآية رقم (222):

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}
قوله جلّ ذكره: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ اَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في المَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ}.
ليس كل ما يكون موجب الاستحياء والنفور مما هو باختيار العبد، فقد يكون من النقائص ما ليس للعبد فيه كسب، وهو ابتداءً حكمُ الحق، فمن ذلك ما كتب الله على بنات آدم من تلك الحالة، ثم أُمِرْنَ باعتزال المُصَلَّى في أوان تلك الحالة، فالمصلِّى مناجٍ ربَّه، فَيُحيِّن عن محل المناجاة حكماً من الله لا جُرْماً لهن. وفي هذا إشارة فيقال: إنهن- وإنْ مُنِعْنَ عن الصلاة التي هي حضور بالبدن فلم يحجبن عن استدامة الذكر بالقلب واللسان، وذلك تعرض بساط القرب، قال صلى الله عليه وسلم مخبراً عنه تعالى: «أنا جليس من ذكرني».
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ}.
يقال يحب التوابين من الذنوب، والمتطهرين من العيوب.
ويقال التوابين من الزلة، والمتطهرين من التوهم أن نجاتهم بالتوبة.
ويقال التوّابين من ارتكاب المحظورات، والمتطهرين من المساكنات والملاحظات.
ويقال التوّابين بماء الاستغفار والمتطهرين بصوب ماء الخجل بنعت الانكسار.
ويقال التوَّابين من الزلة، والمتطهرين من الغفلة.
ويقال التوَّابين من شهود التوبة، والمتطهرين من توهم أن شيئاً بالزلة بل الحكم ابتداء من الله تعالى.

.تفسير الآية رقم (223):

{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}
لمَّا كانت النفوس بوصف الغيبة عن الحقيقة أباح لها السكون إلى أشكالها إذا كان على وصف الإذن، فلمَّا كانت القلوب في محل الحضور حرم عليها المساكنة إلى جميع الأغيار والمخلوقات.
{وَقَدِّموا لأَنْفُسِكُمْ} من الأعمال الصالحة ما ينفعكم يوم إفلاسكم، لذلك قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُّلاقُوهُ} فانظروا لأنفسكم بتقديم ما يسركم وجدانه عند ربكم.

.تفسير الآية رقم (224):

{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)}
نزهوا ذكْرَ ربكم عن ابتذاله بأي حظ من الحظوظ.
ويقال لا تجعلوا ذكر الله شركاً يُصْطَاد به حطام الدنيا.

.تفسير الآية رقم (225):

{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}
ما جرى به اللسان على مقتضى السهو فليس له كثير خطرٍ في الخير والشر، ولكن ما انطوت عليه الضمائر، واحتوت عليه السرائر، من قصود صحيحة، وعزائم قوية فذلك الذي يؤخذ به إن كان خيراً فجزاءٌ جميل، وإن كان شراً فعناءٌ طويل.

.تفسير الآية رقم (226):

{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)}
قوله جلّ ذكره: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}.
إذا كان حق صحبة الأشكال محفوظاً عليك- حتى لو أَخْلَلْتَ به- وأخَذَكَ بحكمه: فحقُّ الحقِّ أَحَقُّ بأن تجب مراعاته. {فإن فاؤوا} أي رجعوا إلى إحياء ما أماتوا، واستدراك ما ضيَّعوا ف {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} فلما تقاصر لسان الزوجة- لكونها أسيراً في يد الزوج- تَوَلَّى الله- سبحانه- الأمر بمراعاة حقها فأمر الزوج بالرجوع إليها أو تسريحها.

.تفسير الآية رقم (227):

{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}
إنْ ملَّ حق صحبتها، وأكَّد العزم على مفارقتها فإن الله مطلع على حاله وسره، فإن بدا له بادٍ من ندم فلا يُلبِس بأركان الطلاق فإن الله سبحانه عليم أنه طلَّقها.
ولمَّا كان الفراق شديداً عَزَّى المرأة بأن قال إنه {السَّمِيعُ} أي سمعنا موحش تلك القالة، فهذا تعزية لها من الحق سبحانه.

.تفسير الآية رقم (228):

{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
قوله جلّ ذكره: {وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ}.
أمَرَ المطلقات بالعِدَّة احتراماً لصحبة الأزواج، يعني إنْ انقطعت العلاقة بينكما فأقيموا على شرط الوفاء لما سَلَفَ من الصحبة، ولا تقيموا غيره مقامه بهذه السرعة؛ فاصبروا حتى يمضي مقدار من المدة. ألا ترى أن غير المدخول بها لم تؤمر بالعدة حيث لم تقم بينهما صحبة؟
ثم قال جلّ ذكره: {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ في أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ}.
يعني إنْ انقطع بينكما السبب فلا تقطعوا ما أثبت الله من النَّسَبِ.
ثم قال جلّ ذكره: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ}.
يعني مَنْ سَبَقَ له الصحبة فهو أحق بالرجعة لما وقع في النكاح من الثلمة.
{فِى ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحًا}.
يعني أن يكون القصد بالرجعة استدراك ما حصل من الجفاء لا تطويل العدة عليها بأن يعزم على طلاقها بعدما أرجعها.
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ}.
يعني إن كان له عليها حق ما أنفق من المال فلها حق الخدمة لما سلف من الحال. {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
في الفضيلة، ولهن مزية في الضعف وعجز البشرية.

.تفسير الآية رقم (229):

{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)}
قوله جلّ ذكره: {الطَّلاَقُ مّرَّتَانِ}.
ندب إلى تفريق الطلاق لئلا تسارع إلى إتمام الفراق، وقيل في معناه:
إنْ تَبْيَنْتُ أَنَّ عَزْمَكِ قتلى ** فذريني أضني قليلاً قليلا

ثم قال جلّ ذكره: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.
إمَّا صحبة جميلة أو فُرْقة جميلة. فأمَّا سوء العشرة وإذهاب لذة العيش بالأخلاق الذميمة فغير مَرَْضِيٍ في الطريقة، ولا محمود في الشريعة.
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً}.
فإِن في الخبر «العائد في هبته كالعائد في قَيْئِه» والرجوع فيما خرجتَ عنه خِسَّة.
ثم قال جلّ ذكره: {إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}.
يعني إنْ أرادت المرأة أن تتخلص من زوجها فلا جناح عليها فيما تبذل من مال، فإنَّ النفس تساوي لصاحبها كل شيء، والرجال إذا فاتته صحبة المرأة فلو اعتاض عنها شيئاً فلا أقلَّ من ذلك، حتى إذا فاتته راحة الحال يصل إلى يده شيء من المال.
قوله جلّ ذكره: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
هذه آداب يُعَلِّمكمها الله ويَسُنُّها لكم، فحافظوا على حدوده، وداوموا على معرفة حقوقه.